القتل داخل الزنازين.. كيف تُستخدم الرعاية الصحية لقمع المعارضة في إيران؟
القتل داخل الزنازين.. كيف تُستخدم الرعاية الصحية لقمع المعارضة في إيران؟
في أسابيع قليلة وثّقت تقارير حقوقية وفاة سجناء داخل السجون ومرافق الاحتجاز الإيرانية بعدما حُرموا من الرعاية الطبية اللازمة، بينما تتدهور حالة سجينة سياسية أخرى نقلت أخيراً إلى مستشفىٍ خارج السجن، هذه الحالات الأخيرة تتقاطع مع رصد منظمات ومقررين أمميين لسياسة متكررة من رفض تحويل المرضى إلى مستشفيات مدنية، أو تشخيصات متهاونة داخل عيادات السجون، أو إساءة معاملة طبية قد تؤدي إلى الموت.
تقارير محلية ودولية وثّقت حالات محددة لوفاة سجناء بعد إهمال استمر أسابيع، وأكدت منظمات حقوقية أن أنماط الحرمان الطبي قد ترتقي إلى مستوى التعذيب وفق "إیران إنترناشونال".
أسباب الظاهرة
تظهر الأدلة الميدانية أن الحرمان من الرعاية الطبية لا يقتصر على عجزٍ إداري أو نقصٍ مؤقت في الموارد، بل يُستخدم في كثير من الحالات كأداة قمعية لفرض العقاب وإسكات المعارضين، وتؤكد عدة تقارير أن جهات قضائية وإدارية داخل منظومة السجون تلعب دوراً مباشراً في رفض تحويل سجناء مرضى إلى مستشفيات خارجية، وأن حالات النيل من الصحة تُوثّق خصوصاً بين السجناء السياسيين ومنتقدي الدولة، ما يعطي مؤشرًا على وجود استراتيجية عقابية أكثر من كونها إخفاقاً فنّياً، هذا التسييس للقرار الطبي داخل السجن يتغذى على غياب رقابة مستقلة واستحكام سيطرة الأجهزة الأمنية على آليات الاحتجاز وفق منظمة حقوق الإنسان الإيرانية.
أنماط الانتهاكات تتكرر في صور متشابهة منها التأخير في نقل المرضى، وتشخيصات مقللة (اتهام المريض بالتمثيل)، وصرف أدوية عشوائية دون تشخيص اختصاصي، ورفض منح أقساط علاج أو نقله لإجراء فحوص ضرورية، وأحياناً استخدام العزل والضغط النفسي جزءاً من سياسة المعاملة.
شهود وناجون وروابط عائلية أفادوا بأن الأطباء داخل السجون الإيرانية يتردّدون في إصدار تقارير طبية تؤكد خطورة الحالة، أو يشاركون أحياناً في ممارسات تغض الطرف عن سوء المعاملة، ومثل هذه السلوكيات أثارت إدانة جمعيات طبية دولية، التي اعتبرت حرمان السجناء من الرعاية الصحية عملاً قد ينطوي على عناصر من التعذيب.
موت يمكن تفاديه
النتيجة المباشرة تتجسد في وفيات وإعاقة وتراجع صحي خطر لسجناء لم يحصلوا على علاج في الوقت المناسب، وقد وثق تقريران حديثان حالاتٍ متعددة لسجناء فارقوا الحياة بعد إهمال متكرر، وحالاتٍ أخرى وصلت إلى مشارف الموت قبل نقلة متأخرة إلى المستشفى.
محنة السجناء في إيران تتعدى الأثر الصحي إلى تشريد عائلاتهم، تكاليف طبية لا تطاق، وخوف دائم من أن تكون العقوبة موتاً بطيئاً بدلاً من حكم قضائي معلن، هذه النتائج تضع إيران أمام مسؤولية إنسانية وقانونية لتفسير سبب استمرار هذا النمط رغم الادعاءات بوجود قوانين تنظيمية داخلية تُقرّ بواجبات علاجية تجاه المحتجزين.
ردود المنظمات الدولية
منظمات حقوقية دولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمات متخصصة في شؤون إيران وثّقت واستنكرت نمط الإهمال الطبي واعتبرته أداة لقمع المعارضة، ودعت إلى تحقيقات مستقلة ومساءلة المتورطين. خبراء أمميون أصدروا بيانات تحذّر من أن الحرمان الطبي المتعمّد قد يرقى إلى التعذيب أو المعاملة القاسية، وطالبوا بإجراءات عاجلة لحماية حياة المحتجزين، وشددت جمعيات طبية عالمية على أن إنكار الرعاية للمرضى في الاحتجاز يخالف مبادئ أخلاقيات الطب ويمثل مخالفة جسيمة لالتزامات الدولة.
تلتزم إيران، كونها طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بحماية الحق في الحياة ومنع التعذيب وسوء المعاملة، وفق مواد أساسية في المعاهدة، كما تلتزم السجون بالمعايير الدولية للاعتناء الصحي بالمحتجزين كما وردت في قواعد الأمم المتحدة الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة بقواعد نيلسون مانديلا.
جمعيات طبية دولية أكدت أن الحرمان المتعمّد من العلاج قد يُعتبر تعذيباً أو معاملة غير إنسانية، وهو ما يفتح الباب أمام مسؤولية جزائية وقانونية للجهات الفاعلة، ومع ذلك، ثمة عقبة عملية: رفض طهران الانضمام إلى بعض الاتفاقيات الدولية أو قيودها على وصول المراقبين المستقلين يجعل تنفيذ هذه المعايير ومحاسبة المسؤولين أكثر صعوبة.
بمَ يطالب المجتمع الحقوقي؟
النداء الأساسي الذي تكرره منظمات حقوقية محلية ودولية يتلخص في ثلاث خطوات فورية: فتح تحقيقات مستقلة وشفافة في كل وفاة ناتجة عن الإهمال الطبي، إدخال خبراء طبيين مستقلين لتقييم حالات المرضى، وإتاحة نقل المرضى للعلاج خارج السجن متى تطلبت حالتهم ذلك، أو إطلاق سراح مؤقت للحالات الحرجة.
على المدى القانوني يطالب الحقوقيون بفتح محاسبات جنائية ضد المسؤولين الطبيين والإدارية الذين ثبت تقصيرهم أو تواطؤهم، وبزيادة الضغط الدولي على طهران لتسهيل وصول خبراء الأمم المتحدة ووفود التقصي.
ما تكشفه سلسلة الوفيات والحالات الحرجة في سجون إيران ليس مجرد إخفاق إداري أو عجز تقني، بل مؤشرات على استغلال الرعاية الصحية أداة قمع، والثمن أرواح بشرية تُزهق، وأنظمة صحية مكوّنة جزئياً من أطباء موظفين في منظومة قمع، وشرعية دولية تتعرض للاهتزاز لأن التزامات الحماية لا تُطبّق، أمام المجتمع الدولي ومنظمات الطب وحقوق الإنسان فرصة اختبار أدوات المساءلة والضغط، وعلى السلطات الإيرانية خيارين واضحين: توفير الرعاية والعلاج كما تقتضيه القوانين والمعايير الدولية، أو مواجهة تدويل قضية تتعلق بحقوق الإنسان والحق في الحياة.